في خطوة تؤكد التحوّل المتسارع نحو نقل مستدام وعصري، أعلنت شركة السكك الحديدية الهولندية عن استثمار يتجاوز أربعمائة مليون يورو لاقتناء ستةٍ وثلاثين قطارًا جديدًا من طراز فليرت فليكس، على أن تبدأ هذه القطارات في الالتحاق بالشبكة الوطنية ابتداءً من سنة ألفين وثلاثين، وذلك ضمن خطة أوسع تهدف إلى تعزيز حضور النقل العمومي عالي الجودة ورفع القدرة الاستيعابية للشبكة. وترتبط هذه الخطوة برؤية استراتيجية شاملة، إذ تتجه الشركة إلى امتلاك مائتين وخمسة قطارات جديدة بقيمة إجمالية تناهز ملياري يورو، ما يعكس حجم الرهانات الأوروبية على تطوير منظومات السكك الحديدية.
وستعود القطارات الجديدة إلى الألوان التقليدية الأزرق والأصفر التي ارتبطت لعقود بصورة السكك الحديدية الهولندية، في استحضار واضح للهوية البصرية للمرفق العمومي وتعزيز حضورها في الذاكرة الجماعية. كما تتميّز هذه القطارات بمرونة تشغيلية واسعة، إذ يمكن استعمالها كقطارات محلية سريعة تربط المدن بضواحيها أو كقطارات مخصّصة للمسافات المتوسطة، وهو ما يمنح الشبكة قدرة أكبر على مواكبة الطلب المتزايد على التنقل بالقطار في ظل التحولات الاجتماعية والمناخية التي تشجع على تفضيل النقل المستدام. وتكشف المعطيات التقنية للقطارات الجديدة عن رؤية عملية قوية؛ إذ تبلغ سرعتها القصوى مئة وستين كيلومترًا في الساعة، وتوفر مجتمعةً أكثر من ثمانية آلاف مقعد موزعة على ستة وثلاثين قطارًا، في وقت تواصل فيه الشركة استثماراتها التي تصل إلى ملياري يورو لتحديث الأسطول ورفع جودته.
وفي هذا السياق، شدّد المدير العام للشركة، وتر كولميز، على البعد الرمزي لمثل هذه الاستثمارات، قائلاً إن الألوان التقليدية للأزرق والأصفر ليست مجرد خيار شكلي، بل جزء ثابت من هوية البلاد التي ترغب الشركة في الحفاظ عليها لعقود قادمة. ويأتي هذا الإعلان بعد تأخيرات سابقة واجهتها الشركة في تسليم نماذج أخرى من القطارات، من بينها تأجيل وصول القطارات المزدوجة التابعة لشركة “CAF” إلى سنة ألفين وتسعة وعشرين، وتأخر تسليم قطارات المسافات المتوسطة التي تصنّعها شركة “ألستوم”، ما دفع الشركة إلى تسريع صفقاتها بهدف تأمين الاستمرارية وتجاوز الاختلالات المحتملة في شبكة النقل.
يبرز هذا التوجه الأوروبي كجزء من دينامية عالمية تعطي للنقل الحديدي مكانة مركزية في مشاريع التنمية المستدامة، وهو ما ينسجم مع المسار الذي يسلكه المغرب عبر تحديث منظومة القطار وتوسيعها، سواء من خلال تجربة “البراق” أو من خلال تطوير الشبكات الجهوية. وتشكّل التجربة الهولندية نموذجًا يمكن الاستفادة منه في التفكير حول مستقبل النقل العمومي بالمغرب، خصوصًا في ما يتعلق بالمرونة التشغيلية والحفاظ على الهوية البصرية للمرافق العمومية مع تطويرها وفق المعايير العالمية الحديثة.
19/11/2025











