بينما يشهد قطاع الصيد البحري بالمغرب تقدماً متسارعاً في ورش الرقمنة داخل أغلب أسواق السمك بالجملة ونقط التفريغ، ما يعزز الشفافية وتثمين المنتوج، يظل سوق السمك بميناء الحسيمة خارج هذا المسار، في وضع يثير استياء المهنيين ويطرح تساؤلات حول تأخر انخراطه في هذا المشروع الحيوي.
وتؤكد معطيات رسمية من المكتب الوطني للصيد البحري أن الرقمنة لم تعد خياراً تقنياً، بل آلية أساسية لضمان الشفافية، ومحاربة العشوائية، وتقليص الفجوة بين أسعار المنبع والاستهلاك. كما مكّنت هذه المنظومة، التي اعتمدتها موانئ كآسفي والداخلة والجديدة وغيرها، من تتبع دقيق للمفرغات وتنظيم عملية البيع بالمزاد، بما يضمن عدالة الأسعار ورفع قيمة المنتوج.
يشير مهنيون بالحسيمة إلى أن غياب النظام الرقمي يؤثر بشكل مباشر على تثمين المفرغات اليومية، خاصة صنف “الميرلا” (Merlu) المعروف بقيمته التجارية العالية. ففي ظل غياب منصة رقمية موحدة، تستمر العمليات في الاعتماد على طرق تقليدية تفتح المجال للتأويلات وتقلل من الشفافية، رغم أن قيمة المفرغات تسجل أرقاماً مهمة بشكل يومي.
وتبرز تجارب الموانئ التي اعتمدت الرقمنة أن هذا النظام يساهم في تنظيم مسار التداول، وضبط هوية المتعاملين، وتحسين ظروف العمل، إضافة إلى تعزيز الثقة بين الإدارة والتجار والبحارة.
ورغم تمكن المكتب الوطني للصيد البحري من تعميم الرقمنة في 34 سوقاً للجملة، وفق تصريحات رسمية، ما يزال سؤال استثناء الحسيمة مطروحاً. ويرجّح مهنيون أن يعود التأخر إلى إكراهات تقنية ولوجيستيكية أو بطء التنسيق بين المصالح المحلية والمركزية.
ويزداد الوضع تعقيداً بالنظر إلى التجارب السابقة للمدينة، ومنها تعثر بعض الأسواق النموذجية لبيع السمك بالتقسيط، حيث عاد جزء من الباعة إلى أساليب البيع العشوائي، ما يشير إلى أن الإشكال قد يكون مرتبطاً أيضاً بالجوانب التنظيمية والتدبيرية.
ويرى فاعلون في القطاع البحري بالإقليم أن بقاء السوق خارج منظومة الرقمنة يهدد تنافسية المنتوج المحلي، في وقت تتقدم فيه موانئ أخرى نحو تحديث سلسلة التتبع من التفريغ إلى التسويق عبر أدوات رقمية أثبتت نجاعتها.
ويؤكد المتحدثون ذاتهم أن إطلاق الرقمنة ليس ترفاً، بل ضرورة ملحة لضمان انخراط الحسيمة في دينامية “الاقتصاد الأزرق” الوطني وتحسين تدبير مسار تسويق المنتوج البحري..












