بدا لافتا للاهتمام استثناء الملك استقبال سفير المغرب الجديد بهولندا محمد البصري، خلال حفل تسليم عدد من السفراء الجدد ظهائر تعيينهم قبل حوالي شهر من الآن. الحدث أعطى إشارة قوية بعدم تحقق أي تقدم في العلاقات بين البلدين؛ الموسومة بالجفاء منذ سنة ونيف، عقب رفض هولندا تسليم البرلماني السابق المقيم بهولندا سعيد شعو، إضافة إلى موقف مسؤولين حكوميين وبرلمانيين هولنديين من ملف حراك الريف.
ورغم تعيين الملك محمد السادس محمد البصري خلال المجلس الوزاري الذي ترأسه في مراكش خلال شهر فبراير الماضي، سفيرا جديدا في « مملكة الطواحين » عوضا عن الريفي عبد الوهاب بلوقي، إلى جانب ثمانية سفراء جدد آخرين، إلا أنه لم يسلم ظهير تعيينه إلى اللحظة ولم يشرع في مباشرة عمله بعد ؛ الأمر الذي قال مراقبون إنه سيزكي الفتور الديبلوماسي بين البلدين.
مصادر ديبلوماسية مغربية كشفت في وقت سابق، أن سبب تأخر التحاق البصري بمقر عمله راجع إلى تحفظ السلطات الهولندية على اسمه، اعتبارا لكونه « لا يرقى إلى مستوى التمثيلية الديبلوماسية التي يفترض أن تكون بين البلدين »، رافضة القبول بالسفير المعين تحت أي « ذريعة » ولو ارتبطت بالعمل على تبديد « سوء الفهم » حول ملف حراك الريف أو معالجة ملف طلبات اللجوء المتزايدة.
هذه المعطيات تأتي بعد أزيد من سنة على استدعاء ناصر بوريطة وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي سفيرة هولندا بالمغرب « ديزيري بونيس » للاحتجاج على تصريحات أدلى بها وزير خارجية بلادها، « ستيف بلوك »، في البرلمان، تعليقا على الأحكام الصادرة في حق معتقلي « حراك الريف »، الخارجية المغربية أبلغت السفيرة الهولندية بانزعاج المغرب من تصريحات مسؤول بلادها، واعتبرتها « غير مفهومة بالنسبة للمغرب، ولا تستقيم مع روح التعاون والعلاقات الثنائية بين البلدين » حسب زعمه .
في هذا السياق، حذرت الخارجية المغربية سفيرة هولندا من أن تؤثر التصريحات سلباً على العلاقات بين البلدين، مذكرة إياها بموقف المغرب الثابت المتمثل في رفض أي تدخل في شؤونه الداخلية، ومنها مسألة الريف التي لا يمكن أن تكون موضوع نقاشات دبلوماسية، وفق ما كشفه المصدر. استدعاء السفيرة كان احتجاجا على تصريحات لوزير خارجية هولندا ، التي حذر من خلالها نشطاء حراك الريف المقيمين في الأراضي المنخفضة، أن يعتقلوا خلال تواجدهم في المغرب الصيف الماضي، تعليقا على صدور أحكام بالسجن وصلت إلى عشرين سنة في حق معتقلي حراك الريف.
تصريحات بلوك جاءت خلال جلسة برلمانية خاصة، استدعي إليها من قبل البرلمان الهولندي، لتقديم خلاصة محادثاته مع المسؤولين المغاربة في قضية « حراك الريف »، قدم الوزير خلالها آخر تطورات الحراك ومستجدات النشطاء المعتقلين، في إطار تحقيق برلماني، إثر تقديم مواطنين مغاربة يتحدرون من منطقة الريف، شكوى إلى البرلمان الهولندي ضد « طريقة تعامل المغرب مع المظاهرات والاحتجاجات في المنطقة، وتعامله مع ملف المعتقلين على خلفيتها ».
مبتدأ شرر نار الخلاف بين المغرب وهولندا حول الموضوع تفجر عقب دعوة هولندا المغرب إلى تقديم توضيحات بخصوص طريقة تعاملها مع الحراك ومع المعتقلين، الأمر الذي رفضه المغرب، واعتبره شأنا داخليا، إذ ذكر وزير الخارجية ناصر بوريطة أن « قضية الريف تُعتبر نقطة خلاف رئيسة مع هولندا »، مضيفا أن « موقف المغرب في الريف واضح، هذه قضية داخلية ولا يمكن أن تكون موضوع نقاش خارجي ». الخلاف حول قضية حراك الريف يأتي ليعقد الأزمة الصامتة بين البلدين، والتي نشأت إثر رفض السلطات الهولندية تسليم سعيد شعو، الذي يعد موضوع مذكرة توقيف دولية من قبل المغرب تتهمه بالاتجار في المخدرات … رفض محكمة جنوب هولندا الاستجابة إلى طلب تسليم شعو إلى السلطات القضائية المغربية، أثار غضب المملكة المغربية التي اعتبرت القرار تراجعاً عن التزام هولندا سابقا بتسليمه.
في ظل كل ما سلف، ماتزال المملكة الهولندية تولي أهمية كبيرة لملف حراك الريف وتتبع بدقة تفاصيله وتطورات وتناقشه على مستويات رسمية باستمرار، اعتبارا لعدد مواطنيها المتحدرين من الريف والذي يقارب عددهم نصف مليون نسمة ، ونظرا لضغط هؤلاء المستمر عبر المظاهرات والاحتجاج أمام محكمة العدل الدولية لاهاي والأسئلة البرلمانية قصد الاهتمام بالملف والعمل على إطلاق سراح المعتقلين.
18/08/2019