ستتسلم إسبانيا الرئاسة الدورية للإتحاد الأوروبي منتصف العام الجاري، وهو ما يعتبر حسب بعض المراقبين فرصة مهمة لدفع دول أخرى داخل الاتحاد لمساندة الطرح المغربي حول قضية الصحراء، والذي أيدته العديد من الدول الأوروبية الكبرى كألمانيا وهولندا وفرنسا معتبرة أنه جاد وذا مصداقية، كما يُنتظر أن تعزز هذه الرئاسة اتفاقيات الشركة التي تربط المغرب بإسبانيا ومع الاتحاد الأوروبي.
من جهة أخرى اقترحت إسبانيا عقد قمة أورومتوسطية خلال رئاستها للاتحاد الأوروبي، في النصف الثاني من عام 2023 تجمع رؤساء دول الاتحاد ونظراءهم من المغرب والجزائر وتونس وليبيا ومصر وفلسطين والأردن.
وحول علاقاتها مع المغرب، قال أحمد نورالدين الخبير في العلاقات الدولية، إن إسبانيا قامت بمراجعة تاريخية لموقفها من النزاع في الصحراء، من خلال دعمها للمقترح المغربي على حساب ما تدعو إليه الجزائر والجبهة الانفصالية، “بل هناك إشارة في رسالة رئيس الحكومة الإسبانية المؤرخة في 18 مارس 2022 إلى حماية الوحدة الترابية للبلدين”.
وأضاف نور الدين في تصريح لـ”الأيام 24″، أن هذا مكسب كبير للدبلوماسية المغربية جاء من الدولة التي كانت تحتل الأقاليم الجنوبية للمملكة، مضيفا أنه لمعرفة أهمية هذا المكسب يكفي أن ننظر إلى ردة الفعل الجزائرية العنيفة والمتشنجة والتي تمثلت في سحب السفير الجزائري من مدريد ووقف التعاملات المالية مع البنوك الإسبانية والتلويح بمراجعة أسعار النفط والغاز وغيرها من الإجراءات.
الخبير نفسه، أبرز أنه “في المقابل لا يجب أن ننتظر من إسبانيا أن تقوم مقام المغرب في الترافع عن قضيته الوطنية أمام الاتحاد الأوربي لعدة أسباب، أولها: أنّ القيام بهذا الدور يجب أن يكون المغرب قد طلبه رسمياً وأعدّ له استراتيجية معينة واشتغلت عليه الدبلوماسية المغربية مع نظيرتها الإسبانية منذ شهور لبلورة خطة في هذا الاتجاه، لأن الرئاسة الدورية الإسبانية لا تتجاوز الستة أشهر وهي مدة قصيرة جداً ينبغي أن يخطط لها عن بعد للاستفادة منها”.
أما ثانيا، حسب نور الدين فهو أن إسبانيا راجعت موقفها وفقاً لمصالحها خاصة ما يرتبط بترسيم الحدود البحرية والمنطقة الاقتصادية الخالصة سواء على الواجهة الأطلسية أو المتوسطية وما سيكون لها من تداعيات على جزر الكناري والثغرين المحتلين.
وأشار إلى أن “هذا لا يعني أن الدولة العميقة في إسبانيا قد غيرت نظرتها للمغرب والتي يختزلها مصطلح “المورو”، بحمولته التاريخية التي تعود إلى عهد إزابيلا الكاثوليكية ووصيتها التي تعتبر المغرب مصدر شرّ، والخوف الدائم من استعادة المغرب لسبتة ومليلية والجزر الإحدى عشرة المحتلة، مروراً باستعانة فرانكو بالمغاربة لإجهاض الجمهورية الإسبانية، وصولاً إلى كلّ الكليشيهات المرتبطة بقضايا الهجرة والإرهاب والتي يقرنها المِخيال الإسباني بالمورو أي المغربي”.
وأكد الخبير في العلاقت الدولية، أن ” الدولة العميقة في إسبانيا، ستظل تدفع باتجاه إبقاء الضغوطات على المغرب، ولن تجد أفضل من النزاع في الصحراء لإشغال المغرب وابتزازه، لهذه الاعتبارات سيحاولون إبقاء الجمرة تحت الرماد دون الذهاب بعيداً في إشعال النار التي قد تحرقهم أيضاً”.
وأضاف “رأينا الوجه الحقيقي للدولة العميقة الإسبانية حين كشفت وزيرة خارجيتها في دجنبر 2020 عن محاولة التأثير على الموقف الأمريكي بعد اعتراف واشنطن بالسيادة المغربية على الصحراء. وهذا يظهر أنّ إسبانيا ستحاول الإبقاء على الموقف الأوروبي في منزلة بين المنزلتين لأن هذا ما يخدم مصالحها، على الأقل في ظل الواقع الجيوسياسي القائم، أما إذا تغيّر الوضع بعد الحرب الروسية على أوكرانيا، فلكل مقام مقال”.
أما السبب الثالث، فيرى نور الدين، أن الموقف الأوروبي من الصحراء من الناحية القانونية هو موقف مزدوج، فمن الناحية القانونية يعترف بالسيادة المغربية من خلال اتفاقيات الفلاحة والصيد البحري التي تشمل كل الأقاليم المغربية من طنجة إلى الكويرة، لأن ذلك يخدم مصالحه الاقتصادية؛ ومن الناحية السياسية فهو لا يعترف بشكل صريح بالسيادة المغربية، وهذا أيضاً مفهوم لأنه يسمح للأوربيين بهامش كبير لابتزاز المغرب في الصفقات التجارية الكبرى لصالح شركاتهم، وقد رأينا شيئاً من هذا الابتزاز في قضية الرشاوي التي أثيرت مؤخراً حول بعض النواب في البرلمان الأوربي وعلاقتهم بالمغرب .
وأشار المتحدث عينه، إلى أنه يمكن لإسبانيا، وفقا لمصالحها طبعاً، أن تدافع عن الزيادة في قيمة الدعم المالي والتقني للمغرب من طرف الاتحاد الأوروبي خاصة فيما يتعلق بمحاربة الهجرة غير النظامية، على غرار ما يقدمه الاتحاد الأوربي لتركيا والذي يتجاوز 3 مليارات دولار سنوياً، في الوقت الذي لا يحصل المغرب إلا على 200 مليون دولار في السنة.
وأضاف نور الدين أنه “يمكنها أن تساهم في دفع الاتحاد الأوربي إلى الرفع من استثماراته الخارجية في المغرب للمساهمة في جهود المغرب لتوطين المهاجرين القادمين من جنوب الصحراء، لأنّ توطينهم يعني توفير مناصب الشغل المرتبطة بالاستثمارات، كما يعني ايضاً توفير الخدمات الصحية والتعليمية وغيرها”.
وأكد الخبير في العلاقات الدولية، أنه يمكن للرئاسة الإسبانية الدورية أن تدفع الاتحاد الأوربي للانخراط النّشط في تمويل وإنجاز أنبوب الغاز الرابط بين المغرب ونيجيريا باتجاه أوروبا، ليس حباً في المغرب “ولكن لأنه مشروع سيساهم في تحقيق الأمن الطاقي الأوربي في مواجهة الغاز الروسي”.
كواليس الريف : متابعة
03/01/2023