في خطوة تعكس تحولًا مهمًا في الاستراتيجية الصناعية للمغرب، قرر المكتب الوطني للسكك الحديدية (ONCF) استبعاد ثلاث شركات عالمية بارزة، وهي “تالجو” الإسبانية، و”ألستوم” الفرنسية، و”CRRC Zhuzhou Locomotive Co” الصينية، من المرحلة الأولى لمناقصة شراء 150 قطارًا جديدًا، ضمن مشروع تحديث شبكة السكك الحديدية، الذي تبلغ ميزانيته 20 مليار درهم.
ويشمل المشروع شراء 40 قطارًا سريعًا بين المدن، و60 قطارًا جهوياً، و50 قطارًا إقليميًا، في إطار خطة طموحة لتعزيز كفاءة النقل الحديدي، وتوسيع الربط بين المدن، وتحسين الخدمات المقدمة للمسافرين.
استبعاد الشركات الكبرى: قرار اقتصادي بحت أم تحول استراتيجي؟
إقصاء شركات تتمتع بتاريخ طويل في قطاع السكك الحديدية، مثل “ألستوم” و”تالجو”، يثير تساؤلات حول الدوافع الاقتصادية والتقنية والسياسية وراء هذا القرار، خاصة أن هذه الشركات قدمت في السابق حلولًا متقدمة للمغرب، مثل قطارات “البراق” التي وفرتها “ألستوم”.
1. معايير تقنية صارمة أم تكلفة مرتفعة؟
بحسب محللين اقتصاديين، فإن دفتر التحملات الخاص بالمناقصة قد يكون قد حدد معايير تقنية صارمة، تشمل الكفاءة الطاقية، وسرعة القطارات، والتكاليف التشغيلية. وقد تكون الشركات المستبعدة عجزت عن تقديم عروض تستجيب لهذه المتطلبات من حيث التكنولوجيا أو السعر.
2. سياسة تنويع الشركاء الاقتصاديين
يأتي هذا القرار في وقت يعمل فيه المغرب على تنويع شركائه الصناعيين والاقتصاديين، خصوصًا مع التوجه نحو الشراكة مع آسيا، وتحديدًا كوريا الجنوبية والصين، بدلًا من الاعتماد الحصري على الشركات الأوروبية.
3. التوجه نحو التصنيع المحلي
توجه المغرب نحو إلزام الشركات الفائزة بالمناقصة بتصنيع جزء من القطارات محليًا، قد يكون أحد العوامل التي لم تستجب لها الشركات الأوروبية. فالمملكة تسعى إلى نقل التكنولوجيا وتعزيز الصناعة الوطنية، من خلال تشجيع إقامة مصانع إنتاج وتجميع داخل البلاد، بدلًا من الاكتفاء باستيراد القطارات الجاهزة.
من تبقى في المنافسة؟
بعد خروج اللاعبين الأوروبيين والصينيين من المنافسة، يبقى السباق منحصرًا بين:
“CAF” الإسبانية (Construcciones y Auxiliar de Ferrocarriles)
“Hyundai Rotem” الكورية الجنوبية
وتبدو “Hyundai Rotem” في وضع مريح للفوز بالعقد، خاصة بعد أن كشف مديرها التنفيذي، لي يونغ باي، في يوليو الماضي، عن خطة لبناء مصنع للقطارات في المغرب، في حال فوزها بالمناقصة. وهو ما يتماشى مع رؤية المغرب لتطوير سلسلة إنتاج محلية في قطاع السكك الحديدية، مما يوفر فرص عمل جديدة ويعزز نقل التكنولوجيا.
التداعيات الاقتصادية لاستبعاد الشركات الأوروبية
يبدو أن هذا القرار يحمل أبعادًا اقتصادية أعمق، قد تعيد ترتيب خارطة النفوذ الصناعي في قطاع السكك الحديدية المغربي:
تقليص التبعية لأوروبا: المغرب يسعى إلى تقليل اعتماده على الشركات الأوروبية، خاصة في ظل المنافسة الآسيوية القوية.
استقطاب استثمارات جديدة: إذا نجحت “Hyundai Rotem” في إنشاء مصنع محلي، فإن ذلك سيدفع الشركات الأخرى إلى إعادة النظر في استراتيجياتها تجاه السوق المغربية.
تعزيز القيمة المضافة المحلية: التصنيع المحلي يعني أن جزءًا من الميزانية الضخمة للمشروع سيبقى داخل الاقتصاد المغربي، بدلًا من أن يتم تحويله بالكامل إلى الخارج.
المغرب يفرض شروطه في قطاع السكك الحديدية
يبدو أن المغرب لا يريد فقط شراء قطارات جديدة، بل يسعى إلى التحكم في شروط المنافسة، بما يضمن له استفادة أكبر على المدى الطويل. وقرار استبعاد بعض الأسماء الكبرى قد يكون إشارة إلى أن المملكة باتت أكثر استقلالية في اتخاذ قراراتها الاستثمارية، وأكثر انتقائية في اختيار شركائها الاقتصاديين.
في انتظار الإعلان الرسمي عن الشركة الفائزة بالمناقصة، يبقى السؤال الأهم: هل ستنجح هذه الاستراتيجية في تحويل المغرب إلى مركز إقليمي لصناعة السكك الحديدية؟
12/02/2025