في خطوة تكشف عمق الارتباك في الرؤية الإسبانية تجاه المغرب، كشف “المعهد الملكي إلكانو” عن نتائج آخر بارومتر للرأي العام، والذي اعتبر فيه 55% من الإسبان أن المغرب هو “أكبر تهديد خارجي” لإسبانيا، متقدماً على روسيا (33%)، الولايات المتحدة (19%)، إسرائيل (8%)، والصين (6%).
هذا التصنيف “العدائي” ليس جديدًا، لكنه يعرف تصاعدًا مطردًا خلال السنوات الأخيرة: 35% في 2021، ثم 49% في 2024، واليوم يتربع المغرب على رأس قائمة “المخاوف الأمنية” الإسبانية بنسبة تجاوزت النصف، رغم أن الغالبية الساحقة من الخبراء والسياسيين تدرك تمامًا أن العلاقة مع الرباط تظل عنصر توازن إقليمي واستقرار حدودي.
المفارقة أن 60% من الإسبان أنفسهم لا يشعرون بأي تهديد مباشر يطال بلادهم، ما يطرح تساؤلات حقيقية حول مصدر هذا القلق المصطنع: هل هو تأثير الإعلام الإسباني المهووس بالمغرب؟ أم هو مجرد انعكاس لتوترات سياسية داخلية تبحث عن “عدو خارجي” تنفّس من خلاله عن أزماتها؟!
وفي حين يرتبط هذا الانطباع العدائي بالمناطق ذات الحضور الحدودي مع المغرب، خصوصاً سبتة ومليلية المحتلتين، فإن اليمين السياسي الإسباني يتصدر هذه النظرة العدائية، إذ تصل النسبة إلى 56% بين ناخبي اليمين، مقابل 38% في الوسط، و29% فقط في اليسار.
الاستطلاع ذاته كشف مفاجآت أخرى، أبرزها أن 82% من الإسبان يصفون العدوان الإسرائيلي على غزة بـ”الإبادة الجماعية”، ويؤيد 78% منهم اعتراف الدول الأوروبية بدولة فلسطين، ما يعكس وعيًا إنسانيًا وقيمًا أخلاقية لدى الشارع الإسباني، تتجاوز بكثير تردّد النخب السياسية.
رغم هذا الموقف الحازم من حكومة الاحتلال الإسرائيلي، لم يُسجَّل أي ارتفاع في مؤشرات معاداة السامية، حيث فرّق الإسبان بوضوح بين الحكومة الإسرائيلية والجاليات اليهودية حول العالم، مانحين الأخيرة تقييمًا إيجابيًا.
وفي ما يخص السياسة الخارجية، عبّر 83% من الإسبان عن رضاهم بعضوية بلادهم في الاتحاد الأوروبي، لكن مع مخاوف متزايدة من تدهور الديمقراطية في الغرب، إذ يرى 54% أن هذه الأخيرة مهددة، و14% يحمّلون اليمين المتطرف المسؤولية عن ذلك.
أما فيما يخص النفقات الدفاعية، فبينما يدعو 57% إلى رفع الإنفاق العسكري الأوروبي، يُظهر الإسبان تحفظًا عند الحديث عن مساهمة بلادهم، خصوصاً إذا تم ذلك على حساب الخدمات الاجتماعية.
بينما يعتبر نصف الإسبان أن المغرب – بلد الطاجين والكسكس والضيافة – يشكّل تهديدًا وجوديًا، تزداد أرقام الهجرة الإسبانية إلى الجنوب، وتُحجز الفنادق المغربية بالعشرات خلال عطلة الصيف، ويهرع السائح الإيبيري إلى “الجارة المزعجة” للاستمتاع بالشمس، والشاي، والابتسامة الدافئة.
أليس من الأجدى أن يُعاد تعريف “التهديد” في إسبانيا؟ ربما بات من الضروري توسيع قائمة البارومتر لتشمل: الغيرة، والتاريخ غير المهضوم، وربما الحنين إلى زمنٍ مضى… لم يعد يُناسب الحاضر !.