تستعد وزارة العدل لإحالة قائمة تضم عددًا من الجمعيات المدنية المتخصصة في حماية المال العام إلى النيابة العامة، في خطوة تستهدف فتح تحقيقات دقيقة حول مصادر مداخيل بعض القائمين عليها. وجاء هذا الإعلان على لسان وزير العدل، عبد اللطيف وهبي، الذي كشف عن تورط بعض الأفراد في امتلاك ممتلكات فاخرة، مثل الفيلات والسيارات، دون الإفصاح عن مصادر دخلهم، مما يثير تساؤلات قانونية حول “مشروعية تلك الثروات”.
خلال اجتماع لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بمجلس النواب، صباح الخميس، أشار وهبي إلى أن وزارته تراقب أنشطة هذه الجمعيات، باستثناء منظمة “ترانسبارنسي”، التي تتمتع بصفة المنفعة العامة. وأكد أن لائحة الجمعيات المشبوهة قيد الإعداد، وستُحال قريبًا إلى النيابة العامة للتحقيق في شبهات تبييض الأموال التي تحوم حول بعض منها.
وحذّر الوزير من استغلال الشكاوى كأداة لتصفية الحسابات السياسية، قائلًا: “إذا استمر هذا الوضع، فلن يتبقى لدينا منتخبون أو مرشحون، وأي شخص يسعى للترشح قد يصبح مهددًا بتلفيق التهم له”. كما أبدى تخوفه من أن تتحول الاتهامات العشوائية إلى وسيلة لإقصاء المسؤولين السياسيين، مشددًا على ضرورة احترام المساطر القانونية في مكافحة الفساد.
وفي سياق مناقشة مشروع قانون المسطرة الجنائية، أكد وهبي أن القانون يجب أن يقوم على أدلة دامغة في قضايا الإثراء غير المشروع، قائلًا: “إذا كنت تملك دليلًا، فتوجه إلى القضاء، وإذا لم يكن لديك، فلا يمكن توجيه الاتهام جزافًا”.
وأضاف أن هناك متابعة قانونية للأشخاص الذين يقدمون شكاوى غير مستندة إلى أدلة، مشيرًا إلى أن التعامل مع قضايا الفساد يتطلب إطارًا قانونيًا واضحًا، يقوم على مبدأ “البراءة حتى تثبت الإدانة”، بدلًا من اللجوء إلى أساليب تعسفية قد تضر بالمناخ الديمقراطي.
في سياق آخر، رد وهبي على تصريحات البشير الراشدي، رئيس الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، الذي صرّح بأن الفساد يكلف المغرب 50 مليار درهم سنويًا، أي ما يعادل 3.5% إلى 6% من الناتج الداخلي الخام. وعبر الوزير عن تشكيكه في دقة هذا الرقم، قائلًا: “إذا كان الفساد يكلف المملكة هذا الرقم، فليخبرنا أين يوجد هذا الفساد تحديدًا، حتى نتمكن من إحالته إلى النيابة العامة، لأن هذا هو المطلوب”.
أما بخصوص تأخر مشروع القانون الجنائي، فقد أوضح وهبي أن المشروع حكومي شامل يعكس مواقف مختلف مكونات الحكومة ومؤسساتها، مما أدى إلى تأخير المصادقة عليه بسبب تعدد وجهات النظر والخلافات بين الأطراف المعنية.
وأكد الوزير أنه قد يكون صارمًا في بعض القضايا، لكنه يظل ثابتًا في قناعاته، مشددًا على أن “القرار النهائي بشأن إحالة المشروع إلى البرلمان هو قرار جماعي حكومي ومؤسساتي”، وليس قرارًا فرديًا لوزارة العدل.
أكد وهبي أن مكافحة الفساد يجب ألا تتحول إلى ذريعة للمساس بحقوق المواطنين أو خلق مناخ من الخوف وعدم الاستقرار، مضيفًا: “إذا أردنا تبني نموذج شيوعي استاليني، فيمكننا وضع الجميع في السجن، لكن الديمقراطية الحقيقية تعني إطلاق سراح الأبرياء، حتى لو كان بين 99 مجرمًا”.
وختم الوزير حديثه بالتأكيد على أن الدولة يجب أن تعمل على تحقيق التوازن بين مكافحة الفساد وضمان الحقوق الأساسية للمواطنين، مشددًا على أن “السلطة يجب أن تخضع لسلطة القانون، وليس العكس”.
13/02/2025