تمر العلاقات التجارية بين المغرب وإسبانيا في أزهى فتراتها منذ العام الماضي، حيث غيرت مدريد من موقفها التقليدي من قضية الصحراء المغربية، فاتحة بذلك فصلا جديدا من العلاقات بين البلدين، ما انعكس إيجابا على مبادلاتهما التجارية، إذ من المتوقع أن يختتم هذا البلد الأوروبي العام الجاري برقيم قياسي جديد في حجم تبادلاته التجارية مع المملكة المغربية، وفق ما أوردت صحيفة “ذو أوبجيكتيف” الإسبانية نقلا عن مصادر مطلعة على هذا الملف.
وأشارت الصحيفة الإسبانية، نقلا عن المصادر ذاتها، إلى أن “تغيير موقف الحكومة الإسبانية بشأن النزاع حول الصحراء كان مفتاحا أساسيا لزيادة حجم الصادرات والواردات بين البلدين”، موردة أن الصادرات الإسبانية إلى المغرب بلغت عند متم العام الماضي أكثر من 11,7 مليار يورو، بزيادة قدرها 23,7 في المائة مقارنة بفترة ما قبل وباء كورونا؛ فيما بلغت الواردات من هذا البلد أكثر من 8,6 مليارات يورو، بنمو قدر بحوالي 30 في المائة.
وبلغت صادرات مدريد السنوية إلى الرباط عند متم شهر شتنبر الماضي حوالي 9.15 مليار يورو، أي بزيادة بنسبة 3,1 في المائة مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي، فيما سجلت الواردات رقما بلغ أكثر من 6.75 مليار يورو برسم الفترة ذاتها، وبنمو بلغ 2,1 في المائة مقارنة بالفترة ذاتها من العام 2022.
تفاعلا مع الموضوع ذاته قال بدر زاهر الأزرق، محلل اقتصادي، إن “العلاقات المغربية الإسبانية تمر اليوم بفترة ذهبية، سواء من ناحية المبادلات التجارية أو من ناحية الاستثمارات البينية”، موردا أن “مدريد أضحت الشريك الاقتصادي الأول بالنسبة للمملكة المغربية، فيما تعد الأخيرة هي الأخرى من أهم شركاء إسبانيا من خارج الاتحاد الأوروبي”.
وأوضح الأزرق، في تصريح لهسبريس، أن “التطابق السياسي في المواقف بين البلدين، والتقارب الاقتصادي، والحجم الكبير للاستثمارات والمبادلات التجارية بينهما، أمور ستتعزز بتنظيم حديث كروي عالمي هام، ألا وهو كأس العالم 2030 في إطار الملف المغربي الإسباني البرتغالي المشترك”، لافتا إلى أن “كل هذه العوامل ستدفع قدما في اتجاه تعزيز الحضور الاستثماري بين البلدين من خلال مجموعة من المشاريع المشتركة”.
وتابع المتحدث ذاته في هذا الصدد بأنه “حتى المشاريع التي كانت مُجمدة في السابق عادت للظهور مع هذه الدينامية في العلاقات بين البلدين، على غرار مشروع الربط القاري الذي تمت إعادة ضخ التمويلات لصالح الشركة المكلفة بالدراسات في أفق تنزيله فعليا”، مشيرا إلى “وجود مجموعة من المشاريع الأخرى التي انخرطت فيها المملكة وتغري بدورها إسبانيا من أجل الانخراط فيها، كمشروع أنبوب الغاز النيجيري المغربي على سبيل المثال”.
وخلص المحلل الاقتصادي عينه إلى أن “الدينامية المتسارعة التي تعرفها علاقات الرباط ومدريد تفتح آفاقا جديدة للتعاون بين البلدين، خاصة على مستوى القطاعات الإستراتيجية التي يعمل المغرب على تعزيز وجودها ومساهمتها في المشهد الاقتصادي الوطني، على غرار صناعة الأدوية وصناعة السيارات والبطاريات، وهو ما من شأنه تعزيز استقطاب المزيد من الاستثمارات الإسبانية إلى المغرب، خاصة مع إعادة تولي بيدرو سانشيز رئاسة الحكومة في هذا البلد”.
من جهته، سجل ياسين اعليا، محلل اقتصادي، أن “العلاقات الاقتصادية بين الرباط ومدريد عرفت زخما جديدا في الآونة الأخيرة بعد تجاوز العقبة السياسية المرتبطة بالنزاع حول الصحراء المغربية، حيث حققت المبادلات التجارية بين البلدين رقما قياسيا العام الماضي، ليصبح المغرب إثر ذلك المورد الثالث عشر بالنسبة لإسبانيا”، موردا أن “الاستثمارات الإسبانية هي الأخرى تحتل الرتبة الثانية من حيث الاستثمارات الخارجية في المملكة”.
وأضاف اعليا، في تصريح لهسبريس، أنه “من الطبيعي أن تحقق التجارة الثنائية بين البلدين هذا العام أيضا مستويات قياسية، بالنظر إلى كل هذه التحولات والمتغيرات الجديدة في العلاقة بين المغرب وإسبانيا”، مشيرا إلى أن “التكامل الاقتصادي الجديد بين البلدين تجاوز أزمات حادة، بما فيها أزمة الغاز، وأسس لمرحلة جديدة من التكامل أيضا على مستوى السياسات الرياضية وغيرها، ليؤسس البلدان إثر ذلك لشراكة نموذجية ستحمل الكثير لهما على المستوى التنموي”.